ظل المسجد النبوي طوال تاريخه مركزاً ضخماً من مراكز العلم والتعليم في العالم الإسلامي يتوافد إليه العلماء والدارسون من جميع البلاد يقيم فيه البعض منهم ويعود البعض الآخر حاملاً مشعل العلوم الإسلامية التي طالما زخرت بها أرجاء المسجد. ولم يكن ذلك غريباً أو حالة استثنائية، فهو بشكل عام ما اتسمت به المعرفة في تاريخ الإسلام إذ تنطلق من دور العبادة حيثما كانت، وهي معرفة لم تنحصر في كثير من الأحيان بالمعرفة الدينية وإنما تجاوزتها إلى المعرفة بصورة عامة. ذلك ما اشتهرت به مساجد كثيرة في طليعتها المسجد الحرام بمكة المكرمة وغيره من المساجد، كالجامع الأزهر بمصر ومسجد القرويين بالمغرب وجامع الزيتونة بتونس، إلى غير هذه من مقار العبادة والتعليم الشرعي على طول العالم الإسلامي وعرضه. غير أن هذه السمة العامة لم تحل دون تفرد الكثير من تلك المساجد بتاريخها الخاص وإضافتها المتفردة التي انطلقت إما من ظروف تاريخية محددة أو من شخصية المكان وما حمله من ملامح لا تتكرر في الأماكن الأخرى.
في ما يتعلق بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة كان تأسيس النبي عليه الصلاة والسلام له مصدر تفرد اتضح في كونه أول جامعة في تاريخ الإسلام، فقد كان النبي معلمه الأول، تلاه في ذلك صحابته وتابعوه ثم السلسلة الطويلة من علماء الإسلام الذين وفدوا إلى المسجد وأقام بعضهم في ربوعه حتى غدوا من علماء المدينة وتاريخها العلمي العريق.
لم ينقطع ذلك التاريخ الطويل من العلم والتعليم في تاريخ المسجد النبوي على الرغم من فترة الركود العلمي والمعرفي التي أصابت مختلف أرجاء العالم الإسلامي في نهاية الخلافة العباسية وطوال العهد العثماني، فقط جاءت انطلاقة جديدة من بدايات العهد الهاشمي ثم العهد السعودي ليستعيد المسجد النبوي سابق مجده في رعاية العلوم وتخريج العلماء والدارسين. على أن العصر الحديث شهد أيضاً تحولات في مفاهيم التعليم والتربية أدت إلى ظهور المدارس والجامعات إلى جانب المساجد فازدهرت علوم الشريعة واللغة العربية إضافة الى فروع العلم والمعرفة الأخرى.