logo

إلى جانب الحركة العلمية الإسلامية في المدينة في العصر الحديث تطورت الحركة الأدبية والثقافية بصورة عامة مع هذه النهضة المستجدة فاتصل علماء المدينة وأدباؤها بنظرائهم في الوطن العربي والإسلامي كالشام ومصر وكذلك في المهاجر وانطلقت أصوات تدعو إلى التقدم والتحديث مواكبة للعصر وإفادة من مستجدات المعرفة والإبداع فى مختلف فروعهما. وكان مما دعم ذلك مجيء عدد كبير من أشهر مثقفي العالم العربي إلى المدينة بزيارات متتالية كان لها أثر كبير. ومن أشهر أولئك طه حسين ومحمد حسين هيكل، في مصر، وعلي باكثير، من اليمن، و أحمد رضا حوحو، من الجزائر.

وكانت المدينة حين جاءها أؤلئك زاخرة بالعلماء والمثقفين من أبنائها مثل : عبد الرحمن الإفريقي ومحمد الطيب الأنصاري وحسن الشاعر وجعفر الكناني وغيرهم. وقد تأسست على يد بعض أولئك وغيرهم مدارس للعلوم الشرعية والصنائع المختلفة تحولت فيما بعد الى مدارس حكومية مثل "مدرسة النجاح الأهلية" التي أسسها عمر عادل عام 1353هـ/1934م التركي الأصل و"مدرسة دار الأيتام". وإلى جانب هذه المدارس التي كانت للبنين تأسست مدارس للبنات سبقت العهد السعودي ورعاها ذلك العهد وشجعها وكرمت القائمات عليها وأتاحت لهن العمل في المدارس الحكوميه حين أنشئت.

من هذه البيئة العامرة بالعلم والثقافة والاحتكاك بمجالات المعرفة والإبداع خرج أيضاً عدد من الأدباء والباحثين الذين أثروا الثقافة في المملكة العربية السعودية سواء بأدبهم أو بما أسسوه من منابر للفكر والثقافة. كان من أولئك الأخوان علي وعثمان حافظ اللذان أسسا صحيفة المدينة التي تعد أول صحيفة غير حكومية في المدينة المنورة وذلك عام 1356هـ/ 1936م، التي ترافق تأسيسها مع تأسيس أول مطبعة في المدينة. كما كان من أولئك عبد القدوس الأنصاري الذي أصدر أول كتاب عن المدينة في العصر الحديث، إلى جانب إصداره أول مجلة أدبية في المملكة هي مجلة "المنهل" التي صدرت عام 1356هـ/1937م وما تزال تصدر إلى اليوم. وكان الأنصاري هو أيضاً مؤلف أول عمل روائي في الأدب السعودي بعنوان "التؤمان" الذي صدر قبل "المنهل" بسبعة أعوام، أي عام 1349هـ/1930م. يضاف إلى تلك الريادة الروائية احتضان المدينة ريادة أدبية أخرى هي القصة القصيرة التي كان أحد روادها أحمد رضا حوحو، الجزائري الذي قدم المدينة وترك أثراً واضحاً في تطور الحركة الأدبية في المدينة وفي المملكة انطلاقاً من المدينة. ولم تكن المدينة أقل شأناً في الفنون الأدبية الأخرى فقدمت للمشهد الثقافي السعودي شعراء مشهود لهم منهم : إبراهيم الأسكوبي وعبيد مدني ومحمد عيد الخطراوي ومحمد هاشم رشيد وعبد المحسن حليت.

من المنابر التي شجعت الفكر والأدب في المدينة "المجالس الثقافية" أو الصالونات الأدبية التي عرفتها مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في فترة مبكرة من تاريخها الحديث. كما أن منها الأندية الأدبية التي كان أولها نادٍ أهلي تأسس في مرحلة مبكرة من عمر النهضة الثقافية باسم "الحفل الأدبي للشباب السعودي المتعلم", وكان يقيم المحاضرات والحوارات ويجلب الصحف والمجلات من خارج المملكة لدعم الحركة الأدبية في المنطقة. استمر ذلك حتى تأسس نادٍ أدبي ثقافي رسمي جاء أكثر تنظيماً واستمراراً بإسم "نادي المدينة المنورة الأدبي" عام 1395هـ/1975م متزامناً مع عدة أندية أدبية أخرى أنشئت في مدن رئيسية أخرى منها مكة المكرمة والرياض.

روابط ذات صلة