logo

ظلت المدينة المنورة تحت الحكم العثماني حتى ظهور الدولة السعودية الأولى في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي، ولم يكن غريباً أن تتطلع الدولة الجديدة في نجد إلى الأراضي المقدسة بوصفها تضم قبلة المسلمين والمسجد النبوي الشريف، فقد آلت على نفسها أن تنشرالدعوة وتصحح أوضاع المسلمين بناء على ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآزره فيه الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى. غير أن دخول المدينتين المقدستين في حمى الدولة السعودية لم يتم حتى عهد الإمام سعود بن عبد العزيز الذي استطاع دخول مكة ثم المدينة المنورة في مطلع القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي.

غير أن الحكم السعودي للمدينة لم يستمر فعادت مرة أخرى إلى الحكم العثماني بعد انتهاء الدولة السعودية الأولى ولم يتثبت وضعها ضمن الكيان السعودي مرة أخرى حتى الدولة السعودية الثالثة التي تمثلت بقيام المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. فقد حرص الملك عبد العزيز حين كان سلطاناً لنجد والحجازألا تبقى البقاع المقدسة خارج الدولة السعودية، فبعد دخوله الطائف ومكة، جاء دخوله المدينة سلماً عام 1344هـ، 1925م حيث أرسل ابنه محمد لدخولها بناء على طلب أهالي المدينة، فابتدأ بذلك عهد مختلف لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في عام 1345هـ/1926م زار الملك عبد العزيز المدينة المنورة قادماً من جدة، فزار المسجد النبوي وأدى الصلاة فيه واستقبل الأهالي, ثم أمضى شهرين أعاد أثناءهما تنظيم أوضاع المدينة الإدارية فعين عدداً من رجاله على رأس إدارتها لضبط الأمن والنظر في احتياجات المواطنين فساد الأمن والاستقرار نتيجة لذلك على الرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية المحيطة.

في المرحلة التالية قاد الملك عبد العزيز مسيرة التنمية في المملكة مولياً المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، عناية خاصة يساعده في ذلك تحسن الأوضاع الاقتصادية نتيجة لاكتشاف النفط واستخراجة بكميات تجارية عام 1364هـ/1945م، الأمر الذي أدى إلى زيادة موارد البلاد وارتفاع الإنفاق. وكان في طليعة ما أصابه التحسين المسجد النبوي حيث أمر الملك عبد العزيز بترميم المسجد إثر ما لوحظ أواخرالستينيات الهجرية، الخمسينيات الميلادية من تشققات في أعمدته. وقد زاد من ضرورة ذلك تزايد أعداد الحجيج والزوار نتيجة لاستقرار الأوضاع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتطور المواصلات.

تواصلت تلك التطورات الاقتصادية والعمرانية في العهود التالية بتولي أبناء الملك عبد العزيز الحكم. ومع أن تلك التطورات لم تقتصرعلى توسعات الحرم المدني وإنما شملت كافة وجوه الحياة، فإن الحرم وبقية المواقع المقدسة نالت نصيبها المستحق. فقد استمرت توسعات الحرم النبوي في عهد الملوك سعود ثم فيصل وخالد وفهد وعبد الله وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. كانت التوسعة التى حدثت في عهد الملك فهد وعبد الله فريدة في حجمها ومستوى إتقانها، فقد ضاعفت حجم المسجد من ناحية وطورت المنطقة المحيطة على نحو غير مسبوق، إلى جانب أنها ترافقت مع جملة تطويرات تنموية لمنطقة المدينة في مختلف الجوانب الإدارية والإنشائية وكذلك في الطرق والخدمات على اختلافها.

فمن الناحية الإدارية جاء صدور نظام المناطق الذي قسم منطقة المدينة إلى محافظات ومراكز من أبرزها محافظتا ينبع والعلا ومهد الذهب وبدر وخيبر والحناكية. كما تشكل مجلس إداري للمنطقة.

شملت التوسعة التي بدأت مع بداية عهد الملك فهد إضافة أدوار ومساحات ضخمة تستوعب مئات الآلاف من المصلين إلى جانب زيادة عدد الأبواب والبوابات والسلالم المتحركة والتكييف المركزي الضخم إلى غير ذلك من وجوه التطوير غير المسبوقة. وكان لنزع ملكية الأراضي المحيطة بالمسجد أثر على الحركة العمرانية فنشأت فنادق ضخمة عالية المستوى لخدمة الزوار. كما أن التطوير شمل مساجد المدينة التاريخية الأخرى مثل مسجد قباء والقبلتين وغيرهما، فأعيد بناؤها وجرت توسعتها مع المحافظة على طرزها العمرانية السابقة.

بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحكم إثر وفاة الملك فهد رحمه الله عام 1426هـ/2005م أمر باستكمال التوسعة التي بدأت في عهد سلفه، ثم أمر في عام 1433هـ/2012م بتوسعة جديدة كبرى تصل بعدد المصلين بعد استكمال مراحلها الثلاث إلى حوالي مليون وستمائة ألف مصل. وبهذا ستكون التوسعة الأخيرة في عهد الملك عبد الله الكبرى في تاريخ التوسعات المتتالية في العهد السعودي، الأمرالذي يترافق مع تزايد أعداد زوار المدينة المقدسة والتزام المملكة بتوفير أقصى سبل الراحة لضيوف المشاعر المقدسة الذين يتوافدون طوال السنة ومن جميع أنحاء العالم. وواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيزهذه الجهود لتوسعة الحرمين الشريفين والعناية بالكعبة المشرفة.

روابط ذات صلة