عرفت المدينة المنورة باسم مختلف قبل الإسلام، وبالتحديد قبل هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليها. فقد كانت تسمى «يثرب»، الإسم الذي غيره رسول الله عند قدومه ومن معه من المهاجرين في بداية الهجرة (ولم تكن صفة «المنورة» تستخدم عندئذٍ). فعلى عكس مكة المكرمة والقدس، تعد المدينة أول مدينة ولربما الوحيدة التي يتغير إسمها وصفتها بمجيء الإسلام، بل إنها أول مدينة تكتسب صفة القداسة بدخول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه من المهاجرين إليها. كأنما هي أول مدينة تدخل الإسلام أو تسلم فيتغير إسمها كما تتغير أسماء بعض الناس بدخولهم الإسلام وتخلصهم من أسماء تنافي عقيدتهم أو صفتهم الجديدة. فقد أمر رسول الله بتغيير اسم المدينة من يثرب إلى المدينة وإلى طيبة، كما ورد في حديث أبي هريرة : «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد». ومن الواضح أن إسم يثرب حمل دلالات غير مناسبة لمدينة تحتضن المسلمين، فالتثريب، كما ورد في الآية القرآنية على لسان يوسف عليه السلام، يأتي بمعني اللوم والتوبيخ أو العتب، حين قال لإخوته : «لا تثريب عليكم» («يوسف», 92).

لقد حملت المدينة المنورة إذاً بدخول الإسلام إليها وبدخولها الإسلام إسمين مشحونين بالدلالات المميزة : التمدن، أو التحضر، والطيبة، أي النقاء والطهر. والحق أن قيمة المدينة التاريخية تبدأ حقيقة بتحولها من يثرب إلى المدينة، من الجاهلية إلى الإسلام، فدورها في تطور المجتمع المسلم ثم تطور الحضارة الإسلامية في جانبها الروحي بشكل خاص معروف مشهور ابتدأ بدخول المهاجرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقبال من عرفوا بالأنصار من أهل المدينة لضيوفهم القادمين من مكة وحدوث ذلك التآخي الذي رعاه رسول الله بين المهاجرين والأنصار على ذلك النحو الفريد في التاريخ البشري، ثم انطلاقة ذلك كله بتحول المدينة إلى مركز جذب وإشعاع للمسلمين وعطائهم الحضاري طوال ما يقارب الألف وخمسمائة عام هي عمر الدعوة الإسلامية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1- اعتمدت هذه المقالة التعريفية على عدة مصادر، لكن مرجعها الرئيس كان المجلدان الخاصان بالمدينة المنورة، هما الرابع والخامس، من موسوعة المملكة العربية السعودية (الرياض : مكتبة الملك عبد العزيز العامة، 1428هـ)، والمدينة المنورة : تاريخ ومعالم (المدينة المنورة : مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة).